الجمعة، 28 نوفمبر 2008

الفرحة والحزن





أحيانا ما ينتاب الواحد منا دافعا غريبا وفي نفس الوقت خفيا يستحثه للبحث عن الحزن والوحدة والانعزال حتي ولو كانت أسباب الفرح والسعادة والتفاعل مع الحياة كلها مهيئة له. هذا ما حدث لي مؤخرا، حينما وجدت نفسي أبحث عن الاستماع لموسيقي حزينة، مع أنني لا أستمع إلي الموسيقي أصلا. ففتحت موقع يوتيوب وكتبت كلمة Musique de tristesse لأفاجئ بعشرات المقاطع الموسيقية الحزينة، ولكن ما لفت نظري هذا الكليب المصحوب بحوار مكتوب بين الفرحة والحزن. وحتي لا أكون أنا وحدي الحزين، قمت بترجمته ووضعه علي المدونة.



La joie et la tristesse


الفرحة والحزن




أطلقت عينيها في الأفق
لتري ضوءا منطفئا قادما من بعيد
وقد كانت متألقة كالقمر
إلا أنها متأثرة لما أصاب الحزن
فاقتربت من هذه الروح
النصف مهمومة، النصف محطمة
قالت الفرحة للحزن:
سمعت صرختك في حلمي
وأحسست بألمك في أعماقي
فلماذا أنت كئيب هكذا

أجاب الحزن:
أعاني وحدة ترافقني كظلي
ولم تعرف السعادة أبدا طريقها إلي
بالرغم من علمي بوجودها
لم يحبني أحد من قبل
فالناس يحكمون علي باسمي ومظهري
وليس بما تخفيه عيناي
كنت أنتظر ريحا تحملني إلي أرض الحب
تجوب بي البحار لأصل إلي نصف روحي الآخر
ولكن ذلك لم يكن سوي وهم.

قالت الفرحة: هذا هو وجه الحياة
يجب أن تتقبل قدرك راضيا
فهذا العالم قد فقد لونه وجماله
أنا مستعدة لأن أحبك
فأنا مزيج من المشاعر
مستعدة أن أتقاسم معك ذكري
وأن أصطحبك في الأفق حتي نصل إلي شمس الحياة
لكي تتذوق طعم فصول السنة
ولنتعانق بقوة
وأجهشت الفرحة في البكاء

وتأثر الحزن كثيرا
وقال لها: شكرا لكلماتك الرقيقة
أتعرفين: إن الشيء الجميل الذي بقي لي في الدنيا هو أننى أبكي أحيانا
ولو كنت مجرد قلب في حديقة متعددة الألوان
لربما أمكنني النوم مستمتعا بجمالها
لقد أدركت الحقيقة الكاملة
ولكن ما أدركه ليس سوي ظلا لما أعتقده
ومع ذلك مستمر في حبي للحياة
حتي آخر نفس لي
قالت الفرحة متأثرة:
وأنا سأبقي أحبك إلي مالا نهاية
أقدم لك ابتسامتي
وكل ما هو ساحر في هذا العالم
وأبعث إليك بشعري، رسائل غرام
فأنت حزني
وأنا فرحتك

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

تحت الشجرة النائية...في القرية البعيدة sous l'arbre loin...au village lointain




تحت الشجرة النائية...في القرية البعيدة


Sous l'arbre loin...au village lointain



قررت أن تخلق أفعالك بنفسك لأنك حر، والفعل الصادر عن حر نوعا من الخلق. لن تترك نفسك مرة أخري ريشة في مهب الريح. وستغرز مخالب فكرك دوما في الماضي. باحثا عن جذرك. وتحلق روحك من الآن حول كعبة الحاضر. باحثا عن النشوة. لن تهمل حدثا للصدفة. وستمزج عناصر حياتك داخل بوتقة الوعي الحسي. لتتخلي لأول مرة منذ ولدت عن قانون الصدفة وقواعد اللاوعي. وستخط معادلة حياتك بقلمك.

كان ذلك بعضا مما توصلت إليه، يوم أن جلست تحت الشجرة النائية. في قريتك البعيدة. أمام بحيرة الماء الراكدة. حيث لا صوت يعلو فوق صوت الطبيعة. مراقبا لحظة غروب الشمس. بعد أن تخضبت الآفاق بحمرة المغيب. وظللت جالسا غير عابئ بقدوم ليل جديد. علي حياة ليست جديدة. بفكر محموم، وقلب ثائر، وليل ساهر، ارتفعت عيناك إلي السماء لتسح الدموع.

وارتفع مد حنينك إلي الماضي حاملا معه أمواجا متدافعة من الشك. بعد أن هاج بحر اليقين في مستقبل مبهم.
وساءلت قلبك. لماذا أنت جائع ؟!!! وماذا عساني أقدم لك ولا أجد غذاءك؟!!!

ثم أعدت النظر إلي السماء. وانتبهت لمواقع نجوم أقسم بها ربها. وأضاء القمر صفحة البحيرة الراكدة. وأعجبك مشهد طبيعة كنت بعيدا عنها. فخرست جميع الأصوات بداخلك. فلا الأنا المتألهة عادت تئن. ولا النفس ذات الفجور والتقوي تتنفس. حتي زحف صمت مريح قادم من الآفاق باتجاهك. فلا عدت تسمع شقشقة طيور ولا زقزقة عصافير. وكأن الكون قد نام. ومع هذا الصمت، شعرت أن الخريف يجتاح ما حولك مع أنك لا تزال في ربيع عمرك.

وفجأة. وعلي غير توقع منك. إذا بوجهك تعلوه ابتسامة مبهمة. بعد أن غازل خيالك شيئا لم يوجد بعد. وإذا بك تمسك به. متعلقا بأهدابه. حتي اشتعلت جوانحك لوعة إلي اللاشيء. ولتخفيف اللوعة. وضعت يدك علي قلبك. تحاول أن تنفض عنه الغبار. وكان الغبار أكثف من أن يزول بنفضة واحدة. فتركت القلب والغبار. لتتموج آفاق عقلك بأمواج متلاطمة من الذكريات. حتي جاءك الأمل وسط عاصفة اليأس الهوجاء. فألقيت القبض عليه بتهمة التحرش بقلب لم يعد بكراً. إذ كان قد تخاطفه قبل هذا الأمل، ألفُ أملٍ وأمل.

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

حوار جارين عدوين


حوار جارين عدوين


في خضم حيرة شديدة عصفت بذهني بين الفعل وعدم الفعل، بين القيام بواجب كلفت به نفسي، وبين ترك الأمر للظروف، قررت أن ألغي عقلي وقلبي، لأقوم برحلة داخل أعماق النفس، أفسح خلالها المجال أمام أذنان أسترق بهما السمع، حين توقفا أمام عتبة جارين عدوين لدودين، لينصتا لذلك الحوار الفريد بين هوي، أراد أن يحدوني لكل متع الحياة، وبين عزيمة لم ترض لي بأقل من الكمال، مع أن الوصول إليه درب من المحال.

الهوي: أنا حادي الناسَ إلي كل سعادةٍ ولذةٍ ومتعة.
العزيمة: وأنا لا أأخذُ بأيديهم إلا إلي كل مجدٍ وشرفٍ وبطولة. ولا يتبعني إلا كل تواقٍ إلي السمو والرفعة. أما أنتَ فلا يطيعُك إلا كل ضعيفٍ بطال.
الهوي: ليس لي سلطانٌ علي أحدٍ حتي يتبعَني، لكل إنسان عقلٌ يختارُ به.
العزيمة: أنتَ عنوانٌ لكل مفسدةٍ وشر، أما أنا فمفتاحٌ كل بركةٍ وخير.
الهوي: لا مفسدة لدي ولا شر، بل ما ثم إلا تحرر من كل قيد.
العزيمة: يكفيني أنه لم تطرق البطولة من باب إلا وأنا عَتَبَتُه، ولم يطلبِ العز في طريقٍ إلا وأنا حادِيَتُه. أما أنت فلا يسعي أحدٌ لكمالٍ إلا لَولَيتَ له ولاليت. (لوليت: أي قلت لولا كذا لكان كذا. ولاليت: قلت لا فالأمر صعب المنال)
الهوي: أنتِ طريقُ المكاره والصعاب. لا يسلكه إلا كل معقد وكئيب. فأنتِ أشقُ الطريقين، وأصعبُ الخيارين.
العزيمة: وأنتَ مطيةٌ لكل فتنة، وموطنٌ لكل بلية. ما تبعك أحدٌ وسَلِم، وما حل بك ضيفٌ وغنم.
الهوي: أنتِ أيتها العزيمةُ مرادفةٌ لكل كدٍ وشقاء، وتعبٍ وعناء، وسهادٍ وتعساء.
العزيمة: أما أنتَ فتغر الناسَ بطيبِ الملاهي، وتفتنهم بحسن العواري، مع أن مدةَ لهوِ أصحابك منقطعة، وعاريتك لهم مصطنعة، مقارنة بلذةِ الوصولِ إلي الكمال، وحيازةِ ما كان صعب المنال.
الهوي: أنا أفك للناسِ كل قيد، وأحررهم من أية عبودية. لأتركهم طلقاء في فضاء ما يشتهون، ومنتهي ما يتمنون. وهذا مطمح كل سعادة ونعيم، ومناط كل لذة وسرور.
العزيمة: كذبت، بل تحررهم من معالي الأشياء، وتتركهم عبيدا لسفاسف الأمور. فلئن حررتهم من الإيمان بالله وبالقرآن ، فلا يزالون عبيدا لأنفسهم وللشيطان.
الهوي: أنا قوي بضعفي، أما أنت فضعيفة رغم قوتك. فمريدي كثيرون، ومريدوك قليلون.
العزيمة: يكفيني قوة أنني عنوان لكل من بلغ به الولاء للكمال ذروة التمام، وأعالي الهام، ومنتهي الانتماء، وأحاسن الوفاء وغاية العطاء.
الهوي: أوليس يكفيني أنني الأقرب إلي نفس كل إنسان، وطريقي إليها سهل معبد.
العزيمة: أنت تفضح ما في النفس من وضاعة ودناءة، وخسة وانحدار. أما أنا فأستخرج منها كوامنَ ملكاتِها وقواها، لأرقي بها إلي سموها وعلاها.
الهوي: زينَ للناسِ حب الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المقنطرةِ من الذهبِ والفضةِ والخيلِ المسومةِ والأنعامِ والحرث. ذلك متاعُ الحياةِ الدنيا.
العزيمة: والله عنده حسن المئاب.

إلي هنا توقف الحوار بين كل منهما، حيث قبع الهوى في خندق الزينة الغَرور في (زين للناس) وتترست العزيمةُ وراء الحسنِ السرمدي في (والله عنده حسن المئاب)، في انتظار وساطةٍ نزيهةٍ لعقلٍ رشيد، أو تحكيمٍ عادلٍ لقلبٍ سديد. وإلا فمعركة فاصلة، تنهي ذلك الخلافَ الأزلي بين جارين عدوين لدودين، سكنا نفس الإنسان، منذ بدأ الخليقة.
وللحديث صلة إن شاء الله.

الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

الغضب

حين أغوص في أعماق نفسي باحثا عن كوامن الـ........فيها، تتداعي في ذهني أفكار، وتتوارد علي عقلي خواطر، فأجلس أمام ذلك الجهاز اللعين، الذي يمنعني النوم بالليل، مع أنني لم أفارقه في عملي طوال النهار، أسجل ما عصف بذهني، وأرق مضجعي، بعبارات سريعة، وتعبيرات ربما بديعة، حتي لا تكون مجرد خواطر عابرة.

وخواطر الليلة عن:

الغضب
- حين تقصر فعالي عن حساباتي أشيط غضبا.
- كثيرا ما أغضب لنفسي، قليلا ما أغضب لغيري.
- أبدي أحيانا توافقي مع صديق غاضب، حتي يهدأ.
- لا يؤلمني غضبي من أحد قدر ألمي غضبا علي نفسي.
- حين أغضب لمصلحة غيري من الناس، أشعر أنني إنسان.
- عيناى هما أكثر ما يكشف الناس عبرهما غضبي، أو فرحي.
- من أحبهم أعبر لهم عن غضبي، من لا أحب أؤثر الصمت معهم.
- أحيانا ما تخفي ابتسامتي نهرا من الغضب، وقهقهتي بركانا من الغيظ.
- أنتبه إلي من يختلف معي في الرأي، وأغضب علي من يستخف برأيي.
- لم تهذب خبرتي في الحياة بعد غضبي، فقط جعلته أقل ظهورا علي وجهي.
- من أفضل نعم الله علي، أنني لا أعرف كيف أكره من لا أحب، ولا من أغضب عليه.
- غضب صديقة، يجعل كل شيء مرا في حياتي، وغضب صديق يدفعني لأعيد حساباتي.
- صديقتي، لو تعلمين كيف تظلم الدنيا في عيني لحظة غضبك، ما غضبتي. صديقي، لو تعلم حسن نيتي معك ما غضبت علي.
- بكلمات رقيقة قليلة، ودموع أقل، لا تتجاوز العينين، أسترضي صديقتي الغضبي، بعبارات منمقة، وحوارات مطولة، أفشل في استرضاء صديق غاضب.
- حين يغضب علي أبي تكفيني قبلة علي يديه أسترضيه بها، وحين تغضب علي أمي، لا تكفيني ألف قبلة علي قدميها.


23 أكتوبر 2008



الاثنين، 20 أكتوبر 2008

لِمَ تسألين؟!


لِمَ تسألين؟!



لم أستفق بعدُ،


من صدمتي الأولي فيكِ.


وأنت بدم باردٍ،


تذبحي طيرا جريحا،


كان في الماضي يداويكِ؟!


ألا فلترحمي شاباَ،


شاخ في عمر الزهور،


من فرط عشق قد مضي،


عليه من الدهور دهور.


كان ذا جاه بين الورى،


وعلي ما يشاء من الفعال جسور.


فإذا به بحبك قد شقي،


ودوائر الدهور عليه تدور.



في طريق عشقك الطويل،


تقطعت أنفاس،


وتساقطت عبرات،


ولا زلت تسألين؟!


عن جرح نفس دأبها،


طول العويل!


لجفاء نفس وسمها،


نكران الجميل.


فَلِمَ تسألين؟


لِمَ تسألين؟

عن الصدق


عن الصدق

- أصدق مع صديقي الكاذب لعله يصير صادقا.
- أحب أن ألغي عقلي حينما أريد أن أتحدث بصدق.
- كيف أستشرف المستقبل وأنا لم أستفد بعد من أكاذيب الماضي.
- أحب أن أصدق الناس، ولكن أحيانا لا يعبر الصدق عن الحقيقة.
- أفتش عن أسلحة الخير في نفس ضاقت ذرعا بالشر فما أجد غير سلاح الصدق.
- أعترف أن عقلي حين يصدق يكون عاجزا تماما عن الذهاب إلي ما وراء الـ "ما وراء".- أعتقد أن أكبر خطأ ارتكبته في حق نفسي أنني ظللت حتي بلغت السادسة والعشرين من عمري أصدقها.
- أجد التلوث في كل مكان: داخل نفس كاذبة، وعلي وجوه مبتسمة، ووراء عبارات منمقة، وتحت أثواب مزركشة، وفي الشارع.
- إرادة الصدق بداخلي تلغي أي تفكير في النتائج.
- أحيانا أبذل مجهودا في الصدق أكثر مما أبذل في الكذب.
- حين أرغب أن أري نفسي كما هي، أتحدث بصدق مع أحد الأصدقاء.

- بعدما جربت، لم أجد في الحياة أمتع من أن أصدق ويصدقني من أحب.


- ثلاث ساعات كوامل قضيتها في حديث صادق مع صديقتي.....، أدركت بعدها قيمة الصدق والصداقة، وأنهما هبتان.
- أصل أحيانا بالكذب إلي ما أريد، ولكن ما أصل إليه لن يخفف عني أبدا ما سأكابده من حسرة.

- في فترة ما من تاريخ حياتي، كنت قد ألفت الكذب، بحيث صرت أشعر أنني إذا استعملت الصدق كحيلة دفاعية سأكون كاذبا.



من أنا؟؟؟!!!
- من أنا: شيء أم كون؟ لا أدري!!!
- أردت أن أقود، فقررت أن أبدأ بقيادة نفسي.
- تعلمت من أسطورة هركليز أن هناك ما يسمي القوة الناعمة.

- أعي أن بداخلي مجاهل كثيرة، يوم أن أعيها فلن يعييني أن أعي مجاهل الكون.
- أشك أنني إن أدركت يوما مجاهل نفسي ومجاهل الحياة سأصير سعيدا. والصدق أول خطوة علي طريق المعرفة.

- كنت زعيما وأنا صغير:

تذكرت هزائمي وانكساراتي في بعض معارك الحياة فاكتأبت، ثم لم ألبث أن أبتسم لحظة استحضاري صورة نفسي وأنا واقف أمام طابور الصباح ألقي بخطب تلهب مشاعر معلمي قبل زملائي التلاميذ حتي أطلقوا علي اسم "الزعيم". وكم كان هذا الاسم يروقني. فقد كنت صادقا في خطبي، مؤمنا بما أقول. واليوم صرت أقول مالا أؤمن به، وأقنع الناس بما أعتقد عكسه.

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

قلب لؤلؤة



قرأت اللؤلؤة القصة، ولكم كانت فرحتي كبيرة، أن يوجد ثمة تواصل بين عالم الدر وعالم الإنسان. ردت علي قصتي (اللؤلؤة والإنسان) برسالةٍ تخبرني بها أن أكثرَ ما كان يؤلمُها هو أن تفقدَني للأبد، إذ ثمة عوامل تلاقٍ في أمورٍ كثيرةٍ تجمعُ كلانا، وهي المسئولةُ عن ذلكَ الشعورِ بالألفة. ولكم كانت أكرمُ مني كرماً يليقُ بها، لما دعتني لزيارةٍ أتعرفُ من خلالِها علي عالمِها. ولأنني أعلمُ أن نفسي ضعيفةُُ وقلبي أضعفُ من أن يخرجا إلي عالمِ الأحجارِ الكريمةِ دونَ أن يستبد بهما سلطانُ حب التملكِ عند الإنسان، ولأسبابٍ أخري، ما كان مني إلا أن أرفضَ الدعوة، وفاءًَ مني والتزاماً بعهدٍ كنتُ قد قطعتُه علي نفسي بالانحسارِ داخلَ إطارِ الصداقةِ الأخويةِ الذي توافقت عليه كلُ ذراتِ نفسي وأمنت عليه اللؤلؤة. وأمام رفضي وإلحاحها، ورغبةً منها في زيارةٍ إليها لا أنوي القيام بها، إذا بها تلجأُ إلي ما لم يكن في الحسان. أعطت أداةَ التواصلِ بيننا لأختِها الصغرى تخبرني عبرها بما لم يخطر لي علي بال، ولم يستقر بعده لي حال. وذك لما أخبرتني أنها منذ تلقت رسالة الهجاءِ التي أخبرتُها خلالَها أنني كنت مخطيء إذ بالغت في تقديرها – وهي ما فتأت تبكي حتي خفت ضوؤها وخبا بريقها وتعكرت أطيافها. نزل الخبرُ علي كالصاعقة. لم يرقد لي جفنٌ، ولم تنعم عينايَ بنومٍ بعدها. إذ بدأت أسئلةٌ مؤرقةٌ تنخرُ في نفسٍ حائرة. لماذا بكت الدرة؟؟؟!!! أَمِن رسالةٍ لم أزدْ فيها عن قولي:



It seems that I was wrong when I had overestimated u


والتي لم تكن تعبرُ عن حقيقةٍ وإنما عن عتابٍ مبعثُه رغبةٌ في الانتقامِ ممن كنتُ أظنها حجراً كريماً لا يحملُ قلبَ إنسانٍ فيتألمُ لألمه ويشتكي بشكواه؟؟؟
إذن فلن تخرجَ أسباب البكاء عن أحد أمرين. الأول: شعورها أن ثمة افتئاتٍ علي سمو ذاتها قد حدث. والثاني: إدراكها أن الرسالة كانت ستمثل بداية النهاية لعلاقة الصداقة الأخوية - إن جاز أن توجد مثل هذه العلاقة بيننا.
وكلاهما يفتح الباب واسعا أمام عشرات الأسئلة. فالأول يعني أن انتفاضتها كانت من أجل ذاتها. ومن ثم لم تكن تعبيرا عن خوف حقيقي من أن تفقدني كما ذكرت، فأنا لا أعني لها شيئا. ولكم آلمني هذا الخاطر كثيرا. لكن سرعان ما تبددت أمامي كل حجةٍ تؤيد هذا الاحتمال، حينما انقدح في ذهني معنيً كان غائبا ومؤداه أن قيمة الدرة في عالم الناس لا يختلف عليها اثنان، فمن من البشر لا يعي قيمة اللالئ ، إذن فاللؤلؤة لا تحتاج أن تعرف أحدا بنفسها فضلا عن أن تعبئ بتجاهل جاهل لقيمتها. وهنا ركنت إلي الاحتمال الثاني الذي وقع في نفسي وقع البلسم علي جرح طال انتظار التئامه.

الأحد، 28 سبتمبر 2008

اللؤلؤة والإنسان


اللؤلؤة والإنسان


في ومضة عابرة من ومضات الزمن، وفي إحدى طرقات الحياة الطويلة، التي كنت أسير فيها مترجلا كعادتي، أبحث عن شيء، كل ما أعرفه عنه، أن ثمة تغير كبير سيطرأ علي حياتي إن تحقق لي، أما غير ذلك من معلومات من قبيل ماهية الشيء: إن كان روح إنسان آنس به، أو سحر مكان ألوذ إليه، أو علو مكانة أصل إليها, أو سمو ذات أرقي بها، أو شرف بطولة أنالها، كل ذلك لم يكن في حسباني هويته, ولم أعر اهتماما لماهيته، أضاء لي نور حسبته في بداية الأمر كبقية الأضواء الكثيرة التي يصادفها الإنسان في حياته، جذبني فضولي أن أعرف مصدر هذا النور، أعدت تأمل الطريق، فإذا به كان ممتلئا بأنواع شتي من المصابيح، إلا أن ذلك النور الآتي من بعيد، لا بد وأن له مصدرا آخر، غير المصابيح المعتادة. سرت متمهلا وكلما اقتربت ازداد انبهاري بالضوء، حتي أسرعت الخطي، فإذا بي أقف عند مصدر النور: لؤلؤة جميلة تشع كل ألوان الحياة، أو جوهرة ثمينة لا يخطر ببالي طيف من أطياف الدنيا إلا وأجده ضمن ما تبعثه من أطياف، أو درة ثمينة ليس لها مثيل في عالم الأحجار الكريمة. ولأن لي بيتا آخر - غير الذي أسكنه بصورة مستديمة - أكثر قربا لمكان تلكم الدرة، قررت أن أقضي أجازتي السنوية فيه. ومنذ انتقلت للبيت الآخر وأنا دائم الاختلاف والتردد عليها، ألتمس السكينة تحت ضوئها وأريح عيني في التأمل في أطيافها، وأزداد خبرة في الحياة في التعرف علي بديع ألوانها، ولما صار الاختلاف اليها إدمانا، أخذت نفسي بالعزيمة وقررت أن أبقي حبيس داري، فلربما تفتقدني الدرة، فتعودني. مر اليوم الأول كعام، ولم تأت الدرة. في اليوم الثاني، هممت الذهاب، وبعد صراع طويل بين عقل يريد أن يقطع، ونفس تصبو إلي الوصال، عقدت هدنةً لمدة يوم بين العقل والنفس. بين عقل كانت حجته – في القطع- الجهل بصاحب الجوهرة واليقين بأنني لست أنا هو لأسبابٍ بعضها مقنع والآخر ليس كذلك، وبعضها يتعلق بي، والآخر بها. وبين نفس تواقةٍ إلي كل متفردٍ في جمالِه، متميزٍ في كمالِه، أصيل النقاء، بهي الصفاء، فما هو الحال والدرة المقصودة تجمع كل تفردٍ وجمال، وتميزٍ وكمال، وأصالةٍ ونقاء، وبهاءٍ وصفاء ، وأني لنفسٍ أن تغمضَ عينيها عن مثلِ هذا الكنزِ الثمين. وبعدما مر اليوم الثالث، دونما جديد، وخشية أن يتجدد صراعٌ دفين، بين عقلٍ يدعي لنفسه كل مقوماتِ الحكمةِ ونفسٍ أرقَها جفاءُ صاحبتنا اللؤلؤة، أرسلتُ رسالة هجاءٍ لها صباح اليوم الرابع – أخبرتُها فيها أنني اكتشفت أنني كنتُ مخطئاً إذ بالغت في تقديرِها. غضبت اللؤلؤة وحق لها أن تغضبَ، من إنسانٍ نسي أنه إنسان، أما هي فتعي قدرها كلؤلؤة.
ولأنني شخص لا يجيد الاعتذار، قررت ان أكتب لها هذه القصة بعد أن اتخذت قرارا أرحت به كلا الخصمين لدي – العقل والنفس – وهو أن أقف عند حدودي كإنسان. تلك الحدود التي تقتضي أن أكون أنا البادئ بالسلام. وبذا رضت النفس بصداقة أدعي للدوام، وأبقي للوئام. وإلي هنا اتضح لي أن هذا النوع من الصداقة كانت هي ذاك الشيء الذي كنت أبحث عنه.


من فضلك إذا أردت التعليق فاكتبه في خانة التعليقات وليس علي الايميل الخاص بي، حتي يتسني للجميع قراءته.

الخميس، 18 سبتمبر 2008

حينما أتم الخمسين

حينما أتم الخمسين

ذهب مبكرا كعادته إلي عمله، بمجرد وصوله فوجئ بالجميع يهنئونه بعيد ميلاده الخمسين. في البداية، بدي علي وجهه علامات الاندهاش الذي لم يلبث أن تبدد بعد أن علم منهم أن تاريخ ذلك اليوم كان يوافق ذكري ميلاده. اجتهد أن يبتسم في وجوه المهنئين. ما إن انصرف الجميع إلي أعمالهم وخلا ينفسه في مكتبه حتي فوجئوا بصاحبنا يصيح في شخص يقف أمامه، طالبا منه الانصراف إلا أن هذا الشخص غير المرغوب فيه يأبي الخروج.
تجمع الكثير منهم امام مكتب مديرهم ينتظرون خروج ذلك الموظف التعيس الذي ظل صاحبنا يحاول بلا جدوي طرده من امامه. ما أدهشهم هو سماعهم لكلام غريب وان كان يوحي في مجمله إن الذي كان يتحدث إليه صاحبنا بانفعال لم يكن موظفا ينتمي الي الجهة التي يعملون بها وإنما شخص أتي مع صاحبنا من بيته، علي الرغم من كونهم لم يكونوا قد رأوا أيا من الناس قادما معه أو داخلا معه مكتبه.

كان صاحبنا - ذو المكانة الرفيعة - قد وصل إلي درجة راقية في تلك المؤسسة العريقة بفضل نبوغه في مجال عمله، إلا أن صاحبنا كان له رأيا آخر.



منذ ربع قرن من الزمان، كان صاحبنا قد ترك التجارة والاستثمار وهو سليل عائلة كلها رجال أعمال وعمل موظفا حكوميا. ومنذ اليوم الأول له في وظيفته استطاع صاحبنا أن يجذب أنظار الجميع. حيث كل من حوله معجب بقدراته العقلية ومعارفه والتزامه في عمله. وقد وصل إلي أعلي درجة يمكن يصل إليها موظف حكومي في سن مبكرة. إلا أن ذلك كله بالإضافة للثناء المتواصل عليه من قبل جميع رؤسائه لم يكن ليرضي طموح صاحبنا الذي طالما تحسرعلي كونه كان قد غير مسار حياته من رجل أعمال يحلم بالثراء و النجاح في إدارة مشاريع وشركات الأسرة إلي موظف حكومي يتقاضي راتبا لا يعدل بحال راتب صغار موظفي إحدي شركات عائلته. وكل شيء في حياة سليل الأسرة الكريمة يذكره بفشله بدءا من قصر الأسرة وانتهاء بخادمه. فقصر أسرته الذي يعيش فيه قد شيد إخوته وأبناء عمومته أعظم منه. وسيارته الخاصة كانت ملكا لوالدته، وسائقه يأخذ راتبه من أخيه الأصغر، وبذلك يكون كل ما حول سيادة المدير العام يذكره بفشله، منذ أن يستيقظ من النوم وحتي يؤوي إلي فراشه.

ويوم ذكري ميلاده الخمسين، دخل المسكين إلي مكتبه، وما إن استقر فوق كرسيه، بعدما انصرف المهنؤن، حتي هب واقفا، لقد رأي للمرة المليون صورته هو نفسه حين كان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، مرتديا نفس البدلة وعلي وجهه نفس ابتسامة اللامبالاه التي كانت هي رد فعله الوحيد عقب تلقيه نبأ خسارة تلك الصفقة التي كان قد علق عليه كل أمل في حياته العملية وراهن عليها بكل ما يملك من مال. لم تفارق تلك الصورة خياله، صورة رجل الأعمال الفاشل. وفي ذكري ميلاده الخمسين، حين رأي نفسه واقفا أمامه، سأل الرجل شبحه صارخا فيه:
لماذا تتبعني في كل مكان؟؟؟ اغرب عن وجهي؟؟؟ لقد ضقت ذرعا بك!َ!! لم أعد أطق رؤيتك أمامي!!! لقد سئمت حياتي بسببك!!! لماذا لا تريد أن تخرج من حياتي؟؟؟!!! اخرج!!! لا أريد أن أراك مرة أخري!!!

دخلت السكرتيرة إلي المكتب لتكتشف سر ذلك الصراخ. لم تجد أحدا داخل المكتب غير سيادة المدير. انصرفت وعلي وجهها كل علامات الذهول.

الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

أيهما أصل الأشياء: الثبوت أم الحركة ؟!!!


أيهما أصل الأشياء: الثبوت أم الحركة ؟!!!

حوار بين الثبوت والحركة

الحركة : أنا أصل الأشياء وأنا قانون الحياة الوحيد وأنا المتحكمة في كل ما في الكون.
الثبوت: لولا أنا ما كنت أنت، فأنا الذي وهبتك الحياة.
الحركة: كل شيء متغير وليس ثمة شيء ثابت في الحياة. فأنت والعدم سواء بسواء. فتأمل أيها الثبوت لو توقفت الكواكب والنجوم عن السباحة في مداراتها فهل تبقي حياة في الكون.
الثبوت: وتأملي أيتها الحركة لو خرج كل من هذه الكواكب والنجوم عن مداره ولم يثبت فيه، وسبح كل منهم بعيدا عن مداره، إذن لعمت الفوضي هذا الكون ولتصادمت مكوناته وانهار بنيانه.
الحركة: دعنا من الحديث عن عالم الفضاء، وتعال بنا إلي عالم بني الإنسان، تخيل لو توقف قلب الإنسان عن ضخ الدماء فهل سيكون فيه حياة.
الثبوت: تصوري أنت لو كنت أنت أصل قانون هذا القلب، بحيث صار يتحرك من مكانه مع كل دفقة دماء يرسلها إلي أعضاء الإنسان، ويذهب معها إلي حيث هي ذاهبة، تاركا صدر الانسان، فهل سيبقي إنسان علي قيد الحياة.

الأحد، 14 سبتمبر 2008

ليست أفعي

ليست أفعي


أنا أفعي. هكذا خلقني الله. وهذا ما أعلمه عن نفسي، أنني أفعي، و كل من حولي، من حشرات وحيوان وإنسان، لم يتفقوا علي شيء سوي عداوتهم لي. وبخاصة بني الإنسان. لا أدري لماذا !!! ولا أدري لماذا يهرب بعض الناس مني والآخرون يهاجمونني مع أنني لا أؤذي أحدا. ولا أستخدم أنيابي القوية ولا سمي القاتل إلا حينما ألبي نداء غريزة الحياة في طعام أأكله أو حينما أدافع عن نفسي. ولا أدري أيضا لماذا يجب علي كأفعي أن أكره الإنسان؟!!!

أذكر أن آخر مرة حاولت أن أصيد فيها طعاما أأكله كانت منذ فترة طويلة، حيث خرجت من جحري علي رائحة ضفدع قادم من بعيد. لم أكن أراه ولكن رائحته كانت تقترب. علي باب الجحر، لم أخرج سوي رأسي خوفا من أن يخرج أي من جيراني الأفاعي الذين تمتلأ بهم تلك البقعة التي أسكنها منذ الصيف الماضي أو أن يشعر بي الضفدع. اقترب الضفدع أكثر حتي عمت رائحته أرجاء المكان. رأيت ثلاثة من الأفاعي كانت جحورهم أكثر قربا للضفدع مني ينقضون عليه. أشارت لي إحداهم بالاقتراب حتي أشاركهم الطعام.

منذ بداية الصيف الحالي، قل من يجرؤ من الحيوانات الصغيرة أو الحشرات أو الزواحف أن يقترب من وادينا. إذا استمر الحال هكذا فسنموت جوعا. بدأت أأكل ذيلي من شدة الجوع. اجتمع كل من في الوادي من أفاعي وحيات. قرروا أن يهاجموا بيوت البشر القريبة من جحورنا. رفضت أن أشاركهم. مرت أيام وأيام. وأنا في جحري وحدي أتضور جوعا. ومرت أيام وأيام. ولم يبق في ذيلي شيء يؤكل. ولا زلت أتلوي جوعا. اكتشف بنو الإنسان مؤامرة الحيات والأفاعي. قرروا مهاجمة وادينا. واكتشفت الحيات والأفاعي مؤامرة بني الإنسان. هربوا جميعا من الوادي. لم يستطع جسدي النحيل الضعيف أن يسعفني في الخروج من جحري. انتشر البشر في كل مكان. رأيتهم من ثقب بحجم عيني كنت قد صنعته أعلي جحري الصغير. بعضهم يحمل بندقة والآخر يحمل فوق ظهره صندوقا به الغاز السام. رائحة الغاز السام ملأت جحري. ومرة أخري، لم يستطع جسدي النحيل الضعيف أن يسعفني في الخروج من جحري. بدأت أركان بيتي تتصدع لوقع أقدام أحد المارين بجواره. وحين داس بشري بقدميه جحري الممتلئ بالغاز السام، وقتها فقط علمت أنني أخطأت إذ لم أكره الإنسان.
12/9/2008

لإرسال تعليق خاص للمؤلف
mafifi_2010@yahoo.com