الاثنين، 19 أكتوبر 2009

مثالية قيس وواقعية ليلي ..........مأساة متكررة



مضت ليلي العامرية تقول‏:‏ كان قيس يري الحب غاية وكنت أراه وسيلة‏,‏ وقد اختلفنا معا حول هذه النقطة‏..‏ أذكر أنني سألت قيسا ذات يوم لماذا تقول الشعر عني وتفضحني وسط القبائل وتضع العراقيل أمام زواجنا‏,‏ لماذا لا تتزوجني بهدوء‏.‏قال قيس‏:‏ أنا أحبك يا ليلي‏..‏ قلت له‏:‏ ما هي نهاية حبنا هذا يا قيس؟نهض قيس واقفا وصرخ بلهجة مسرحية‏:‏ تسألين عن نهاية حبنا يا ليلي‏,‏ إن حبنا هو البداية والنهاية‏..‏ هو المبتدأ والخبر‏..‏ هو السر والنجوي‏,‏ هذا حبنا يا ليلي‏..‏ وهو حب تستصغرينه وتريدين منه أن يكون وسيلة لشيء كالزواج‏..‏ أي عار وأي شنار‏.‏قالها قيس فأدركت أنه لا يريد الزواج‏..‏ صحيح أنه تقدم يطلب يدي وقدم خمسين ناقة كمهر‏,‏ بينما تقدم ورد بعشر نوق فقط‏,‏ وبرغم ذلك فقد قبلت وردا ورفضت قيسا‏..‏ هل تعرف لماذا رفضته‏..‏ لأنه لم يكن جادا في عرضه‏,‏ ولو أنني قبلت عرضه بالزواج لهرب مني ليلة الفرح‏,‏ ولصارت فضيحتنا علي كل لسان‏,‏ لقد أنقذته برفضي له مدركة أنه سيحمد لي هذا الرفض‏..‏ سيمكنه ذلك من الاستمرار في قول الشعر والعذاب‏,‏ لقد وصل قيس إلي مرحلة صار فيها يستعذب عذابه ويتذوقه ويتعامل معه ويحبه‏..‏ كان قيس ينتحر ببطء وكنت أعلم أنه ينتحر وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا آخر‏.‏سكتت ليلي قليلا وعادت تقول بألم‏:‏ لقد أحبني قيس كما تصورني بخياله‏,‏ ولم يستطع أن يحبني كما أنا في الحقيقة‏,‏ كان خياله مقدما علي الحقيقة‏,‏ وكان قيس يحدثني عن ليلي العامرية التي هي أنا‏,‏ وكنت أصغي إليه فأراه يرسم صورة لامرأة في خياله هو‏..‏ امرأة لا وجود لها‏..‏ امرأة ليست أنا‏..‏ امرأة لم تخلق بعد‏,‏ كنت أبحث عن صورتي فيما يقوله فلا أجد نفسي‏,‏ كيف أتزوج رجلا يحسبني امرأة أخري‏..‏ إن هذا غش‏,‏ لقد كنت أصدق منه حين قدرت موقفه ورفضته وتزوجت وردا‏,‏ كان ورد يحتاج إلي‏,‏ أما قيس فقد استغني عني وعن العالم كله‏,‏ لا تقل لي كيف طاوعك قلبك علي هجره‏,‏ واسأله هو كيف طاوعه قلبه علي هجري‏,‏ إن مشكلتي أن قيسا أحب حبه أكثر مما أحبني أنا‏.‏

لقد احسنت ليلي صنعا أن تزوجت وردا، الذي أحبها كما هي في الحقيقة، وتركت قيسا يحب صورة ليست لها. كان الأجدر بقيس لو كان له شيء من عقل، أن يدرك الفارق بين المثالية التي عاش فيها حينا من الدهر، والواقع .حقا لقد كان الرجل مجنونا... ومع ذلك فلا تزال المأساة تتكرر كثيرا، فما أكثر المجانين من أمثال قيس، وما أكثر الواقعيا
ت من أمثال ليلي.