الاثنين، 3 مايو 2010

تحت الشجرة النائية...في القرية البعيدة






تحت الشجرة النائية...في القرية البعيدة


قررت أن تخلق أفعالك بنفسك لأنك حر، والفعل الصادر عن حر نوعا من الخلق. لن تترك نفسك مرة أخري ريشة في مهب الريح. وستغرز مخالب فكرك دوما في الماضي. باحثا عن جذرك. وتحلق روحك من الآن حول كعبة الحاضر. باحثا عن النشوة. لن تهمل حدثا للصدفة. وستمزج عناصر حياتك داخل بوتقة الوعي الحسي. لتتخلي لأول مرة منذ ولدت عن قانون الصدفة وقواعد اللاوعي. وستخط معادلة حياتك بقلمك. كان ذلك بعضا مما توصلت إليه، يوم أن جلست تحت الشجرة النائية. في قريتك البعيدة. أمام بحيرة الماء الراكدة. حيث لا صوت يعلو فوق صوت الطبيعة. مراقبا لحظة غروب الشمس. بعد أن تخضبت الآفاق بحمرة المغيب. وظللت جالسا غير عابئ بقدوم ليل جديد. علي حياة ليست جديدة. بفكر محموم، وقلب ثائر، وليل ساهر، ارتفعت عيناك إلي السماء لتسح الدموع. وارتفع مد حنينك إلي الماضي حاملا معه أمواجا متدافعة من الشك. بعد أن هاج بحر اليقين في مستقبل مبهم. وساءلت قلبك. لماذا أنت جائع ؟!!! وماذا عساني أقدم لك ولا أجد غذاءك؟!!! ثم أعدت النظر إلي السماء. وانتبهت لمواقع نجوم أقسم بها ربها. وأضاء القمر صفحة البحيرة الراكدة. وأعجبك مشهد طبيعة كنت بعيدا عنها. فخرست جميع الأصوات بداخلك. فلا الأنا المتألهة عادت تئن. ولا النفس ذات الفجور والتقوي تتنفس. حتي زحف صمت مريح قادم من الآفاق باتجاهك. فلا عدت تسمع شقشقة طيور ولا زقزقة عصافير. وكأن الكون قد نام. ومع هذا الصمت، شعرت أن الخريف يجتاح ما حولك مع أنك لا تزال في ربيع عمرك. وفجأة. وعلي غير توقع منك. إذا بوجهك تعلوه ابتسامة مبهمة. بعد أن غازل خيالك شيئا لم يوجد بعد. وإذا بك تمسك به. متعلقا بأهدابه. حتي اشتعلت جوانحك لوعة إلي اللاشيء. ولتخفيف اللوعة. وضعت يدك علي قلبك. تحاول أن تنفض عنه الغبار. وكان الغبار أكثف من أن يزول بنفضة واحدة. فتركت القلب والغبار. لتتموج آفاق عقلك بأمواج متلاطمة من الذكريات. حتي جاءك الأمل وسط عاصفة اليأس الهوجاء. فألقيت القبض عليه بتهمة التحرش بقلب لم يعد بكراً. إذ كان قد تخاطفه قبل هذا الأمل، ألفُ أملٍ وأمل.

الثلاثاء، 13 أبريل 2010

مثالية قيس وواقعية ليلي ..........مأساة متكررة


مضت ليلي العامرية تقول‏:‏ كان قيس يري الحب غاية وكنت أراه وسيلة‏,‏ وقد اختلفنا معا حول هذه النقطة‏..‏ أذكر أنني سألت قيسا ذات يوم لماذا تقول الشعر عني وتفضحني وسط القبائل وتضع العراقيل أمام زواجنا‏,‏ لماذا لا تتزوجني بهدوء‏.‏قال قيس‏:‏ أنا أحبك يا ليلي‏..‏ قلت له‏:‏ ما هي نهاية حبنا هذا يا قيس؟نهض قيس واقفا وصرخ بلهجة مسرحية‏:‏ تسألين عن نهاية حبنا يا ليلي‏,‏ إن حبنا هو البداية والنهاية‏..‏ هو المبتدأ والخبر‏..‏ هو السر والنجوي‏,‏ هذا حبنا يا ليلي‏..‏ وهو حب تستصغرينه وتريدين منه أن يكون وسيلة لشيء كالزواج‏..‏ أي عار وأي شنار‏.‏قالها قيس فأدركت أنه لا يريد الزواج‏..‏ صحيح أنه تقدم يطلب يدي وقدم خمسين ناقة كمهر‏,‏ بينما تقدم ورد بعشر نوق فقط‏,‏ وبرغم ذلك فقد قبلت وردا ورفضت قيسا‏..‏ هل تعرف لماذا رفضته‏..‏ لأنه لم يكن جادا في عرضه‏,‏ ولو أنني قبلت عرضه بالزواج لهرب مني ليلة الفرح‏,‏ ولصارت فضيحتنا علي كل لسان‏,‏ لقد أنقذته برفضي له مدركة أنه سيحمد لي هذا الرفض‏..‏ سيمكنه ذلك من الاستمرار في قول الشعر والعذاب‏,‏ لقد وصل قيس إلي مرحلة صار فيها يستعذب عذابه ويتذوقه ويتعامل معه ويحبه‏..‏ كان قيس ينتحر ببطء وكنت أعلم أنه ينتحر وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا آخر‏.‏سكتت ليلي قليلا وعادت تقول بألم‏:‏ لقد أحبني قيس كما تصورني بخياله‏,‏ ولم يستطع أن يحبني كما أنا في الحقيقة‏,‏ كان خياله مقدما علي الحقيقة‏,‏ وكان قيس يحدثني عن ليلي العامرية التي هي أنا‏,‏ وكنت أصغي إليه فأراه يرسم صورة لامرأة في خياله هو‏..‏ امرأة لا وجود لها‏..‏ امرأة ليست أنا‏..‏ امرأة لم تخلق بعد‏,‏ كنت أبحث عن صورتي فيما يقوله فلا أجد نفسي‏,‏ كيف أتزوج رجلا يحسبني امرأة أخري‏..‏ إن هذا غش‏,‏ لقد كنت أصدق منه حين قدرت موقفه ورفضته وتزوجت وردا‏,‏ كان ورد يحتاج إلي‏,‏ أما قيس فقد استغني عني وعن العالم كله‏,‏ لا تقل لي كيف طاوعك قلبك علي هجره‏,‏ واسأله هو كيف طاوعه قلبه علي هجري‏,‏ إن مشكلتي أن قيسا أحب حبه أكثر مما أحبني أنا‏.‏

للقد احسنت ليلي صنعا أن تزوجت وردا، الذي أحبها كما هي في الحقيقة، وتركت قيسا يحب صورة ليست لها. كان الأجدر بقيس لو كان له شيء من عقل، أن يدرك الفارق بين المثالية التي عاش فيها حينا من الدهر، والواقع .حقا لقد كان الرجل مجنونا... ومع ذلك فلا تزال المأساة تتكرر كثيرا، فما أكثر المجانين من أمثال قيس، وما أكثر الواقعيا
ت من أمثال ليلي.