الخميس، 18 سبتمبر 2008

حينما أتم الخمسين

حينما أتم الخمسين

ذهب مبكرا كعادته إلي عمله، بمجرد وصوله فوجئ بالجميع يهنئونه بعيد ميلاده الخمسين. في البداية، بدي علي وجهه علامات الاندهاش الذي لم يلبث أن تبدد بعد أن علم منهم أن تاريخ ذلك اليوم كان يوافق ذكري ميلاده. اجتهد أن يبتسم في وجوه المهنئين. ما إن انصرف الجميع إلي أعمالهم وخلا ينفسه في مكتبه حتي فوجئوا بصاحبنا يصيح في شخص يقف أمامه، طالبا منه الانصراف إلا أن هذا الشخص غير المرغوب فيه يأبي الخروج.
تجمع الكثير منهم امام مكتب مديرهم ينتظرون خروج ذلك الموظف التعيس الذي ظل صاحبنا يحاول بلا جدوي طرده من امامه. ما أدهشهم هو سماعهم لكلام غريب وان كان يوحي في مجمله إن الذي كان يتحدث إليه صاحبنا بانفعال لم يكن موظفا ينتمي الي الجهة التي يعملون بها وإنما شخص أتي مع صاحبنا من بيته، علي الرغم من كونهم لم يكونوا قد رأوا أيا من الناس قادما معه أو داخلا معه مكتبه.

كان صاحبنا - ذو المكانة الرفيعة - قد وصل إلي درجة راقية في تلك المؤسسة العريقة بفضل نبوغه في مجال عمله، إلا أن صاحبنا كان له رأيا آخر.



منذ ربع قرن من الزمان، كان صاحبنا قد ترك التجارة والاستثمار وهو سليل عائلة كلها رجال أعمال وعمل موظفا حكوميا. ومنذ اليوم الأول له في وظيفته استطاع صاحبنا أن يجذب أنظار الجميع. حيث كل من حوله معجب بقدراته العقلية ومعارفه والتزامه في عمله. وقد وصل إلي أعلي درجة يمكن يصل إليها موظف حكومي في سن مبكرة. إلا أن ذلك كله بالإضافة للثناء المتواصل عليه من قبل جميع رؤسائه لم يكن ليرضي طموح صاحبنا الذي طالما تحسرعلي كونه كان قد غير مسار حياته من رجل أعمال يحلم بالثراء و النجاح في إدارة مشاريع وشركات الأسرة إلي موظف حكومي يتقاضي راتبا لا يعدل بحال راتب صغار موظفي إحدي شركات عائلته. وكل شيء في حياة سليل الأسرة الكريمة يذكره بفشله بدءا من قصر الأسرة وانتهاء بخادمه. فقصر أسرته الذي يعيش فيه قد شيد إخوته وأبناء عمومته أعظم منه. وسيارته الخاصة كانت ملكا لوالدته، وسائقه يأخذ راتبه من أخيه الأصغر، وبذلك يكون كل ما حول سيادة المدير العام يذكره بفشله، منذ أن يستيقظ من النوم وحتي يؤوي إلي فراشه.

ويوم ذكري ميلاده الخمسين، دخل المسكين إلي مكتبه، وما إن استقر فوق كرسيه، بعدما انصرف المهنؤن، حتي هب واقفا، لقد رأي للمرة المليون صورته هو نفسه حين كان يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، مرتديا نفس البدلة وعلي وجهه نفس ابتسامة اللامبالاه التي كانت هي رد فعله الوحيد عقب تلقيه نبأ خسارة تلك الصفقة التي كان قد علق عليه كل أمل في حياته العملية وراهن عليها بكل ما يملك من مال. لم تفارق تلك الصورة خياله، صورة رجل الأعمال الفاشل. وفي ذكري ميلاده الخمسين، حين رأي نفسه واقفا أمامه، سأل الرجل شبحه صارخا فيه:
لماذا تتبعني في كل مكان؟؟؟ اغرب عن وجهي؟؟؟ لقد ضقت ذرعا بك!َ!! لم أعد أطق رؤيتك أمامي!!! لقد سئمت حياتي بسببك!!! لماذا لا تريد أن تخرج من حياتي؟؟؟!!! اخرج!!! لا أريد أن أراك مرة أخري!!!

دخلت السكرتيرة إلي المكتب لتكتشف سر ذلك الصراخ. لم تجد أحدا داخل المكتب غير سيادة المدير. انصرفت وعلي وجهها كل علامات الذهول.

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...

تعرف اني اعرف شخص قريبي أصيب بحالة قريبة من ذلك وغلبنا بيه عند الدكاترة النفسيين لأنه مش بس زي ما وصفت لكن كمان دايمن بيشتم ويقول يا ابن الكلب يابن ... يابن ......... نقولله بتشتم مين يقول بشتم نفسي
بيكره نفسه مع ان كل اللي حواليه يتمني يكون زيه في الفلوس والمنصب.

يا ريت تكتب قصة شبيهة علي واحدة فاتها قطار الزواج بسبب كتر الرفض وندمت وبتشتم نفسها

صابرة علي - 6اكتوبر

أم البنات يقول...

اصعب شئ ان تكره نفسك وتكره تفاصيل حياتك
ابدعت
احب القصص الغير متوقعه الاحداث