اللؤلؤة والإنسان
في ومضة عابرة من ومضات الزمن، وفي إحدى طرقات الحياة الطويلة، التي كنت أسير فيها مترجلا كعادتي، أبحث عن شيء، كل ما أعرفه عنه، أن ثمة تغير كبير سيطرأ علي حياتي إن تحقق لي، أما غير ذلك من معلومات من قبيل ماهية الشيء: إن كان روح إنسان آنس به، أو سحر مكان ألوذ إليه، أو علو مكانة أصل إليها, أو سمو ذات أرقي بها، أو شرف بطولة أنالها، كل ذلك لم يكن في حسباني هويته, ولم أعر اهتماما لماهيته، أضاء لي نور حسبته في بداية الأمر كبقية الأضواء الكثيرة التي يصادفها الإنسان في حياته، جذبني فضولي أن أعرف مصدر هذا النور، أعدت تأمل الطريق، فإذا به كان ممتلئا بأنواع شتي من المصابيح، إلا أن ذلك النور الآتي من بعيد، لا بد وأن له مصدرا آخر، غير المصابيح المعتادة. سرت متمهلا وكلما اقتربت ازداد انبهاري بالضوء، حتي أسرعت الخطي، فإذا بي أقف عند مصدر النور: لؤلؤة جميلة تشع كل ألوان الحياة، أو جوهرة ثمينة لا يخطر ببالي طيف من أطياف الدنيا إلا وأجده ضمن ما تبعثه من أطياف، أو درة ثمينة ليس لها مثيل في عالم الأحجار الكريمة. ولأن لي بيتا آخر - غير الذي أسكنه بصورة مستديمة - أكثر قربا لمكان تلكم الدرة، قررت أن أقضي أجازتي السنوية فيه. ومنذ انتقلت للبيت الآخر وأنا دائم الاختلاف والتردد عليها، ألتمس السكينة تحت ضوئها وأريح عيني في التأمل في أطيافها، وأزداد خبرة في الحياة في التعرف علي بديع ألوانها، ولما صار الاختلاف اليها إدمانا، أخذت نفسي بالعزيمة وقررت أن أبقي حبيس داري، فلربما تفتقدني الدرة، فتعودني. مر اليوم الأول كعام، ولم تأت الدرة. في اليوم الثاني، هممت الذهاب، وبعد صراع طويل بين عقل يريد أن يقطع، ونفس تصبو إلي الوصال، عقدت هدنةً لمدة يوم بين العقل والنفس. بين عقل كانت حجته – في القطع- الجهل بصاحب الجوهرة واليقين بأنني لست أنا هو لأسبابٍ بعضها مقنع والآخر ليس كذلك، وبعضها يتعلق بي، والآخر بها. وبين نفس تواقةٍ إلي كل متفردٍ في جمالِه، متميزٍ في كمالِه، أصيل النقاء، بهي الصفاء، فما هو الحال والدرة المقصودة تجمع كل تفردٍ وجمال، وتميزٍ وكمال، وأصالةٍ ونقاء، وبهاءٍ وصفاء ، وأني لنفسٍ أن تغمضَ عينيها عن مثلِ هذا الكنزِ الثمين. وبعدما مر اليوم الثالث، دونما جديد، وخشية أن يتجدد صراعٌ دفين، بين عقلٍ يدعي لنفسه كل مقوماتِ الحكمةِ ونفسٍ أرقَها جفاءُ صاحبتنا اللؤلؤة، أرسلتُ رسالة هجاءٍ لها صباح اليوم الرابع – أخبرتُها فيها أنني اكتشفت أنني كنتُ مخطئاً إذ بالغت في تقديرِها. غضبت اللؤلؤة وحق لها أن تغضبَ، من إنسانٍ نسي أنه إنسان، أما هي فتعي قدرها كلؤلؤة.
ولأنني شخص لا يجيد الاعتذار، قررت ان أكتب لها هذه القصة بعد أن اتخذت قرارا أرحت به كلا الخصمين لدي – العقل والنفس – وهو أن أقف عند حدودي كإنسان. تلك الحدود التي تقتضي أن أكون أنا البادئ بالسلام. وبذا رضت النفس بصداقة أدعي للدوام، وأبقي للوئام. وإلي هنا اتضح لي أن هذا النوع من الصداقة كانت هي ذاك الشيء الذي كنت أبحث عنه.
من فضلك إذا أردت التعليق فاكتبه في خانة التعليقات وليس علي الايميل الخاص بي، حتي يتسني للجميع قراءته.