الأحد، 28 سبتمبر 2008

اللؤلؤة والإنسان


اللؤلؤة والإنسان


في ومضة عابرة من ومضات الزمن، وفي إحدى طرقات الحياة الطويلة، التي كنت أسير فيها مترجلا كعادتي، أبحث عن شيء، كل ما أعرفه عنه، أن ثمة تغير كبير سيطرأ علي حياتي إن تحقق لي، أما غير ذلك من معلومات من قبيل ماهية الشيء: إن كان روح إنسان آنس به، أو سحر مكان ألوذ إليه، أو علو مكانة أصل إليها, أو سمو ذات أرقي بها، أو شرف بطولة أنالها، كل ذلك لم يكن في حسباني هويته, ولم أعر اهتماما لماهيته، أضاء لي نور حسبته في بداية الأمر كبقية الأضواء الكثيرة التي يصادفها الإنسان في حياته، جذبني فضولي أن أعرف مصدر هذا النور، أعدت تأمل الطريق، فإذا به كان ممتلئا بأنواع شتي من المصابيح، إلا أن ذلك النور الآتي من بعيد، لا بد وأن له مصدرا آخر، غير المصابيح المعتادة. سرت متمهلا وكلما اقتربت ازداد انبهاري بالضوء، حتي أسرعت الخطي، فإذا بي أقف عند مصدر النور: لؤلؤة جميلة تشع كل ألوان الحياة، أو جوهرة ثمينة لا يخطر ببالي طيف من أطياف الدنيا إلا وأجده ضمن ما تبعثه من أطياف، أو درة ثمينة ليس لها مثيل في عالم الأحجار الكريمة. ولأن لي بيتا آخر - غير الذي أسكنه بصورة مستديمة - أكثر قربا لمكان تلكم الدرة، قررت أن أقضي أجازتي السنوية فيه. ومنذ انتقلت للبيت الآخر وأنا دائم الاختلاف والتردد عليها، ألتمس السكينة تحت ضوئها وأريح عيني في التأمل في أطيافها، وأزداد خبرة في الحياة في التعرف علي بديع ألوانها، ولما صار الاختلاف اليها إدمانا، أخذت نفسي بالعزيمة وقررت أن أبقي حبيس داري، فلربما تفتقدني الدرة، فتعودني. مر اليوم الأول كعام، ولم تأت الدرة. في اليوم الثاني، هممت الذهاب، وبعد صراع طويل بين عقل يريد أن يقطع، ونفس تصبو إلي الوصال، عقدت هدنةً لمدة يوم بين العقل والنفس. بين عقل كانت حجته – في القطع- الجهل بصاحب الجوهرة واليقين بأنني لست أنا هو لأسبابٍ بعضها مقنع والآخر ليس كذلك، وبعضها يتعلق بي، والآخر بها. وبين نفس تواقةٍ إلي كل متفردٍ في جمالِه، متميزٍ في كمالِه، أصيل النقاء، بهي الصفاء، فما هو الحال والدرة المقصودة تجمع كل تفردٍ وجمال، وتميزٍ وكمال، وأصالةٍ ونقاء، وبهاءٍ وصفاء ، وأني لنفسٍ أن تغمضَ عينيها عن مثلِ هذا الكنزِ الثمين. وبعدما مر اليوم الثالث، دونما جديد، وخشية أن يتجدد صراعٌ دفين، بين عقلٍ يدعي لنفسه كل مقوماتِ الحكمةِ ونفسٍ أرقَها جفاءُ صاحبتنا اللؤلؤة، أرسلتُ رسالة هجاءٍ لها صباح اليوم الرابع – أخبرتُها فيها أنني اكتشفت أنني كنتُ مخطئاً إذ بالغت في تقديرِها. غضبت اللؤلؤة وحق لها أن تغضبَ، من إنسانٍ نسي أنه إنسان، أما هي فتعي قدرها كلؤلؤة.
ولأنني شخص لا يجيد الاعتذار، قررت ان أكتب لها هذه القصة بعد أن اتخذت قرارا أرحت به كلا الخصمين لدي – العقل والنفس – وهو أن أقف عند حدودي كإنسان. تلك الحدود التي تقتضي أن أكون أنا البادئ بالسلام. وبذا رضت النفس بصداقة أدعي للدوام، وأبقي للوئام. وإلي هنا اتضح لي أن هذا النوع من الصداقة كانت هي ذاك الشيء الذي كنت أبحث عنه.


من فضلك إذا أردت التعليق فاكتبه في خانة التعليقات وليس علي الايميل الخاص بي، حتي يتسني للجميع قراءته.

هناك 15 تعليقًا:

غير معرف يقول...

أنا مهتم جدا بقراءة القصص القصيرة لحميع الكتاب القدامي والمعاصرين، ولم أجد حقا قصة بهذه الروعة في كل شيء وإن كان أبرز ما جذبني هو ذلك النوع من الصداقة الفريدة التي تجمع ين شخصين، وملابسات تعرف الأول علي الثاني، وعلي ما يبدو أنها كانت صدفة عظيمة تلك التي جعلت الأول يتعرف علي الثاني.

غير معرف يقول...

قصة عظيمة فعلا موجزة ومكثفة، تناسب عصر السرعة، ولكن إشباعا لفضولي أرجو الاجابة علي الاسئلة التالية:
ماذا كانت الرسالة التي أرسلت بها الي اللؤلؤة؟ وكيف كان ردها، ولم هذا الرد دون غيره؟

غير معرف يقول...

قصة رائعة ترسم لنا حدثا ليس عابرا بريشةإنسان يعلي قدر العلاقة بين الناس ويعرف كيف يقيم من حوله

أ س القاهرة

غير معرف يقول...

يا عم اللآليء والجواهر والدرر مبيتحكمش عليها من خلال لقاء عابر في إحدي صدف الحياة يعني أأصد لازم لقاء يعقبه لقاءات وحوارات طويلة عشان تقدر تحكم علي شخص ان كان يستحق فعلا تقول عليه انه كنز. انما انا مستغرب بيتهيئلي مع مرور الأيام هيثبت ليك صدق كلامي لأني جربت كتير واتخدعت مليون مرة في الناس اللي كلهم ناس وليس منهم من يمكن وصفه بما وصفت به درتك او بتعبير ادق اللي انت سميتها درة وتظنها نوع فريد من الناس.
بكرة تتقرص منها وتعرف ان الله حق.

الاسم: مبؤوء من الناس

غير معرف يقول...

وانا كمان متفق مع الاخ (مبؤوء من الناس) لاسباب اولها انه مينفعش خالص حد يتخذ انسان صديق بدون اختبار ليه وانته يا سيدي الفاضل لم تختبر بعد تلك التي تمنت نفسك وصلها(ونفس تصبو إلي الوصال) (نفس تواقةٍ إلي كل متفردٍ في جمالِه) (ونفسٍ أرقَها جفاءُ صاحبتنا اللؤلؤة) واذا استخدمت نفس ألفاظك سأقول لك أن نفسك ستظل تصبو، ووتتوق، وستبقي الي الابد يؤرقها الجفاء. أتدري لماذا؟؟؟؟؟ لأنه ما خلق الانسان الذي يستحق كل هذا. فما يوجد أحد من الناس يشع نورا بدون مقابل. انا علي قين من صحة كلامي بدليل ان جوهرتك التي اتخذتها صديقة بدلا من حبيبة - علي ما يبدو من نهاية القصة - لم تتحمل مجرد رسالة عتاب منك وغضبت سريعا غضبة تعبر عن تعاليها علي كل ما هو من قبيل المشاعر الانسانية.
ثانيا: العجيب انك قلت عن عقلك انه مقتنع ببعض أسباب توحي له بضرورة قضع علاقة الاخوة او الصداقة وأن بعضها متعلق بيك انت، يعني مش مقتنع بيها تماما طيب ما معني كده انها مش متفردة في شيء يخلليها موضع اشادة، وتوجع دماغك في تأليف قصة عليها
انا كمحلل نفساني ممكن اقوللك ان نفسك الامارة بالسوء صورتلك انك بتحبها حب أخوي عشان وجدت فيها حاجات كنت مفتقدها في أصدقائك والناس اللي حواليك (لا يخطر ببالي طيف من أطياف الدنيا إلا وأجده ضمن ما تبعثه من أطياف) انما عقلك بأة وجد أكيد نقائص من بتاعت البشر العاديين.
خليك مع عقلك ترتاح.

فؤاد مجروح

غير معرف يقول...

لطالما تساءلت هل ترى ماتزال مثل هذه العلاقات فى عالم الانسان ,اتراها حقيقة ستستمر ام انها مرحلة ستاخذ وقتها وتغلب مشاغل الحياة على النفس والقلب والعقل والمشاعر والاحاسيس وتضيع هذه الصداقة فى طرقات الحياة, هل ستكتب لمثل هذه العلاقة الاستمرار, فى احد مراحل الحياه امنت بانه لا توجد مثل هذه العلاقة وهى الصداقة الخالصة بين نوعين مختلفين اى شاب وفتاه دون ان تاخذ منحنى اخر وتتطور لتصل لمرحلة ابعد معروفة للجميع , ولكن طالما وجدت بينك وبين درتك مثل هذه العلاقة الصادقة فقد ادركت انه لا مجال لهذا الياس الذى اصابنى من خلو مثل هذه العلاقات من عالم البشر . من قلبى اتمنى لعلاقتك بدرتك ان تستمر وتبقى وتتغلب على كل الصعوبات لتبقى شاهدة على ان عالم الانسان مازال يتمتع بعلاقات انسانية نادرة الوجود واتمنى لك التوفيق فى كتاباتك المستقبلية باذن الله
الغربية ه ع

غير معرف يقول...

أحب ان اعبر لك عن اعجابى الشديد بالقصة حيث انها تجمع بين الإحساس العالى والذوق الرفيع والأسلوب الرائع الذى قل ما اجتمعوا فى قصة قصيرة. وبماانى اعرفك معرفة شخصية فإن هذه الصفات لا تخلو من شخصيتك الحقيقية لذلك اقترح ان تسمى هذه القصة:اللؤلؤ والإنسانه، حيث انك اللؤلؤ الحقيقى النادر وجوده، لذلك لا يجب ان تندفع إلا نحو لؤلؤه حقيقية مثلك، حتى إن صعب ايجادها او طال انتظارها فإن الصداقة الحقيقية هى أسما العلاقات التى تربط بين البشر لذلك يجب التأنى جيدا عند الأختيار.

غير معرف يقول...

عاشق اللؤلؤة كان الأجدى به أن يصارحها بعشقه ويبثها شوقه وهواه، لأن اللآلى لن تُمتلك بوصالٍ غير محدَد المعالم، وأن يحسم صراعه النفسى الذى أضناه لصالح قلبه؛ بل أن يجعل العقل، بما يدعيه من حكمة وثبات، يبارك للقلب ويرشده. اللؤلوة كانت تنتظر منه حبا بالقلب والعقل والسلوك معا، لا اعجابا أجوف واختلافا إليها جيئة وإيابا.
قراره ان يرسل رسالة هجاء، وإن كان جاء تحت ضغط معاناة الانتظار والشعور بأن لؤلؤته لا تبالى به ولا تبادله مشاعره الفياضة، كان قرارا خاطئا، وإن كُنت أظنها ستتفهم موقفه. أما قراره بإرضاء نفسه بصداقتها فهو قرار خاطئ لن تتفهمْه هى أبدا. فيستحيل أن يتحول العشق إلى صداقة مهما كانت الظروف. العشق إما أن يظل عشقا ملتهبا أو أن تخبو حدته بسبب سوء أفعال المعشوق، أما أن يتحول إلى صداقة فهذا يعنى أنه لم يكن عشقا بالأساس.
لغويا، أنت كاتب ذو حس أدبى مرهف، وإن كان الإطناب الزائد والمترادفات – مع ما تضيفه من جمال للنص- تذكر القارئ بحواديت ألف ليلة وليلة والأدب العربى القديم. وربما ظهر فيه أيضا التأثر بالنصوص الدينية.
مى مقلد

خواطر ليست عابرة يقول...

أشكر كل من تفاعل مع كتاباتي وتناول شيءا منها بالتعليق وأخص بالشكر وأتوجة بخالص التقدير:

إلي المعلق أ س القاهرة
أشكرك علي التعليق الجميل وأتفق معك علي حكمك علي الحدث أنه (ليس عابرا)، وأضيف إليك أنه (كان وسيظل فارقا في حياتي).

إلي المعلق مبؤوء من الناس؟

آخر شيء حضرتك ذكرته في التعليق كان (بكرة تتقرص منها)
عاوز أسألك سؤال: عمرك سمعت عن لؤلؤة بتقرص؟!

إلي المعلق فؤاد مجروح
آخر شيء حضرتك ذكرته في التعليق كان (خليك ما عقلك ترتاح)
عاوز أطمنك ان دايما أنا مع عقلي طالما الموضوع يتعلق بأصدقاء.


إلي صديقتي وفاء لطفي التي اقترحت أن يكون عنوان القصة اللؤلؤ والإنسانة حيث وصفتني أنني اللؤلؤ الحقيقي:
أكثر ما يفتنني فيك هو ما لا أعرفه عنك، وهو قليل، وأكثر ما يخيفني منك هو ما لا تعرفينه عني، وهو كثير.
يوما ما، قد أرتب لقاء بينكما ، وحينها ستحكمين، وأنا واثق من حكمك الذي لا يعوزه حكمة، وستعرفين أن الناس معادن وأنت واللؤلؤة من أنفسها.


إلي صديقتي مي مقلد
جزيل الشكر لك علي هذا التعليق الذي لم يصلني بعد تعليقا في مثل قوته، وليس هذا غريبا علي إنسانة في مثل ثقافتك.
وألوم عليك طريقة فهمك لطبيعة العلاقة. لقد بدأتِ تعليقك بكلمتي عاشق اللؤلؤة مع أن العلاقة ليست عشق. وأشرتِ إلي وصال غير محدد المعالم فهل علاقتي بك أنت كصديق غير محددة المعالم؟!
لقد اطمأنت كل ذرات كياني بصداقة وصفتها في القصة أنها أدعي للدوام وأبقي للوئام وعليها تشكلت نظرتي لها واطمئن ضميري نحوها، فالضمير المطمئن خير وسادة للراحة.
أما ما أشرت إليه لغويا من إطناب زائد ومرادفات فذلك لم يأت إلا في سياق وصف اللؤلؤة ومعلوم أدبيا أن سياق الوصف يقتضي الإطناب.

Unknown يقول...

جميلة اوى كتابتك وهى فعلا ممكن تكون حسستنا بقصص ألف ليلة وليلة ودى كانت قصص رائعة. أنا بقى شايفة أن أجمل حاجة أن الأنسان يحس بقيمة الشخص الى معاه مش مهم ايه نوع العلاقة أن كانت صداقة أو حتى أنت من أعجابك حسيتها حاجة تانية المهم أن الأنسان يعيش لحظات جميلة مع شخص جميل ونقى مثل اللوءلوء وأن كان ليا عتاب صغير على لؤلؤتك الجميلة المفروض أنها فى منتهى النقاء يبقى متزعلش أو تغضب بالعكس المفروض أنها تحتوى الشخص الى قدامها وتتفهم دوافعه وتصبر عليه ممكن من تأثيرها عليه تنقى الشخص الى قدامها وتجعله براقا مثلها.

خواطر ليست عابرة يقول...

صديقتي دينا / خفقات قلب لكل البشر
تعليقك في منتهي الجمال
عندك حق في كلامك عن أهمية الانتباه أكثر إلي وجود شخص كما وصفتيه جميل ونقى مثل اللوءلؤة نهتم به ونسعد معه في حياتنا أيا كانت طبيعة العلاقة.

اقصوصه يقول...

قصه جميله ومعبره

نادره هي الاشيا اللي تستطيع استوقافنا

وابهارنا..في خط الحياة:)

خواطر ليست عابرة يقول...

صديقتي / اقصوصة


ولأنها نادرة فهي تستحق أن التوقف عندها ونعمل فيها خواطرنا وأرواحنا

mimi يقول...

احلي حاجة في البوست ده أنه يوم عيد ميلادي

28/9

تحياتي لو بتقرا تعليقات

غير معرف يقول...

زى انهاردة تبقى مرت سنه كاملة على كتابة قصة اللؤلؤة والانسان
يا ترى اية الجديد اللى اكتشفة صديق الؤلؤة
ويا ترى هى طلعت فعلا لؤلؤة حقيقية؟
ويا ترى هو لية نسى لؤلؤته رغم انه الحدث كان حدثا فارقا فى حياته و لماذا تخلى عنها بهذه السهولة
كل سنه وانت طيب بمناسبة مرور السنه على الحدث ويا ترى كنت متذكرة والا لا؟